شعرت بوخز في صدري
كانت أقوى مما شعرت به قبلا؛
ذهبت إلى الطبيب
نظر إلى التحاليل وصمت.
فهمت من عينه ما قرأه.
شجعته بإبتسامة هادئة إني موقن بقضاء الله وقدره.
قال لي: قلبك مرهق .. عيب جيني .. لا علاج له ..
سألته عن الوقت المتفضل لي..
رفع كتفيه الأثنين بما يعنى "الله أعلم".
أبتسمت، وٍسألته: "ماذا سيحدث؟"
"ستشعر مثلما شعرت اليوم، لكنه سيكون أهدأ.
ستشعر بدفء في صدرك.. عقلك سيعمل بشكل أجمل..
ستعرف سر الكون، وتختبر السر الإلهي."
حاولت الاحتفاظ بابتسامتي، لم أنجح.
لم أخبر أحد، آثرت الصمت، لا اريد ان اضيف ألما يمكن تجنبه.
يكفي ألم رحيلي على الأقرباء مني والاحباب.
قررت الاستمتاع بكل دقيقة،
صممت على مقابلة كل الأشخاص الذين أثروا على سواء بالسلب او بالايجاب.
فالوقت قليل..
حاولت في عملي أن أنجز كل ماأمكنني إنجازه.
رباه لم أتصور كم الطاقة التي في داخلي الآن.
كل دقيقة كانت رائعة.
قالها صلاح جاهين، "ما أحلى الحياة لو في هيئة نبات."
رأيت من الحياة أجملها، استمتعت بكل شيء
دفء الشمس على وجهي وبرودة الليل علي أصابعي.
عمدت على لمس كل وردة، كل جزع شجرة،
حاولت أن أضيف إبتسامة على كل وجه طفل أقابله.
ربما أحيا في ذاكرته أطول.
لم يكن هناك مكان ولا وقت للحزن أو للغضب أو حتى النقاشات الخائبة، فربما هذا أخر يوم لي.
أستمر الأمر لمدة شهر.
كنت أقول لنفسي: "كذب المنجمون ولو صدقوا"
لربما لم يصب الطبيب في وصفه.
صارعت فكرة إستشارة طبيب آخر، لكني حظرت نفسي من الأمل ومن اليأس، كلاهما جريمة في وضعي الحالي.
أدركت كلام المتصوفين العاشقين للحياة ولله.
أصبح رصيدي من الأمثال الشعبية من طبيعة "كانت بقيت لمين لما تبقالك" هي ما يشغلني.
أدركت روعة الحياة.
لو عاش كل شخص بكم هذا القدر من البساطة والهدوء الذين أشعر بهم الآن، لربما أصبحت الحياة أهدأ.
أستغللت كل فرصة لقضائها مع أبي وأمي.
كم أملت أن يتسع بى العمر لأستمتع بكل يوم كما أستمتع بيومي الآن، وكم عجبت من الأيام التي أهدرتها قلقًا أو حزنًا بل على الأيام التى لم أستمتع بها مثلما أستمتع بكل لحظة الآن.
ولكن.. جاء اليوم..
كان ثلاثاء، الجو ربيعي.. السماء صافية مطعمة بالسحب القطنية..
أنهيت عملي وذهبت في مشوار مع أبي، كان يقود السيارة.
كنا نتكلم كعادتنا،
شعرت بهدوء شديد جدًا، وأصبح الوقت أهدأ.
وذلك الدفء المُلهِم داخل صدري.
لا يوجد ألم من أي نوع.
أدركت أن المنجمين قد يصدقون.
شعرت بخيبة أمل انه لم يصبني في نومي. كم وددت أن أكون من هؤلاء المختارين الذين يتسللون خلسة للعالم الأخر في سكون الليل.. هؤلاء المختارين الذين يُنقلون من سريرهم إلى قبرهم.. بعدما يعطون أحبائهم قسطا من الراحة قبل هذا اليوم المتعب..
ولكني لم أترك نفسي أن استسلم لهذه المشاعر..
نظرت لوجه أبي بجانبى، رباه هل كان دائمًا وسيمًا هكذا!
تذكرت في ثواني أفضاله عليَّ.
فرحت، إن أخر ما سأراه بعيني هو هذا الجمال وهذه الوسامة، مع زرقة السماء وصفاء السحاب.
قيل لي: "الأبدية لحظة."
تمنى العاشقين لله أن يموتوا في صلاتهم.
تنزل رؤوسهم إلى الأرض، تغلق عيونهم وهم يدمدمون الحمدلله. و يفتحوا أعينهم على مجده.
شعرت بأني سآخذ أصعب وأهم قرار في حياتي.
اللحظة الأخيرة لي.. ستُغمض عيني الآن..
هل اغمضهما بينما أريح رأسي على كتف أبي؟
رباه لا أريد أن أُخيفه؛ أشفقت عليه، لحظات ويسكن أبنه إلى الأبد. سأقابله قريبًا.. هل أخبرتكم بأني أستطعت أن أرى ما لا يُرى؟ لكن هذا موضوع آخر.
- أبي
+ أيوة يا يوسف.
- ممكن أحط راسي على كتفك يا أبويا؟
+ وأنا سايق؟
ـ أه وأنت سايق.